بدأ ابن بطوطة رحلته و ألقي هذه الكلمات: (...) منفردا عن رفيق آنس بصحبته، وراكب أكون في جملته، لباعث على النفس شديد العزائم، وشوق إلى تلك المعاهد الشريفة كامن في الحيازم. فحزمت أمري على هجر الأحباب من الإناث والذكور، وفارقت وطني مفارقة الطيور للوكور، وكان والداي بقيد الحياة فتحملت لبعدهما وَصَباً، ولقيت كما لقيا نَصَباً (...). و بعد خروجه من طنجة رجع اليها بعد 24 سنة.
و على الرغم من أسفاره و كتابه ما يمكننا أن نعبر عن ابن بطوطة نظرا اليه كأنه كان كاتب السفريات بالمعني الحديث. و أربعة أشياء سيساعدنا في تفاهم الرحلة كتبت من جهة أمير الرحالة العرب.
أولا علينا أن نعرف اسم الكتاب و هو "تحفة النظار في غرائب الأمصار وعجائب الأسفار" الذي أصبح مشهورا تحت الاسم "الرحلة" لكن "الرحلة" هو المصطلح لنوع من الكتابة. أمر النبي محمد السفر طلبا للعلم و لو كانت الرحلة الى الصين. و هذه كلمات النبي تأثرت على الفكرة عن السفر و تولدت شهوة حب للسفر. و لأجل ذلك أدت العصور الوسطى الإسلامية إلى مفهوم السفر بحثا عن المعرفة. و في شمال أفريقيا عندما أصبحت الورقة متاحا على نطاق أوسع بدأ المثقفون بالكتابة عن السفر الى مكة المكرمة و المدينة المنورة قصدا للحج و انتقلت هذه الكتابات من شخص الى شخص. و عادة كانت هذه الكتابات مشهورة بالاسم "الرحله". و "الرحلة" كانت تحتوي من المعلومات الجغرافية والاجتماعية عن السفر متابعة تصوير الكاتب تجربته العاطفية للحج. إذن فإن "الرحلة" نوع من الأدب العربي الذي بدأ مع ابن جبير وبعد قرن تقريبا وصلت الى مستويات عالية بعدما ظهر ابن بطوطة.
الرحلة لابن بطوطة هي في جذورها عمل تفاني و مقارنة مع أعمال أخرى في هذه الفئة تميزها الكتابة الواسعة عن الموضوعات المختلفة مثل الجغرافيا والسياسة والشخصيات والتاريخ الطبيعي والعادات المحلية. و غالبا يجري الكلام في "الرحلة" حول الأماكن التي زارها ابن بطوطة نفسه بعيدا عن المدن المقدسة وطرق للحج و هذا الاسلوب أصبح مهيبا في الكتابة و تأثرت على توسيع نطاق الرحلة.
و ثانيا فإن "الرحلة" من المذكرات و من المعروف أن ابن بطوطة ما كتب الملاحظات خلال رحلته و بعدها قام بكتابة "الرحلة" لأن فكرة كتابة "الرحلة" جاءت من جهة سلطان فاس الموريني الذي ألقي النظر الى المستقبل و فكر أنه من المهم تسجيل كل شيئ ما شهده ابن بطوطة او على الأقل ما هو في الإمكانية ان يراجع من ذكراياته. مع الأخذ بعين الإعتبار هذه الحقيقة و كم مدة إسغرقت الرحلة فإنه من المفهوم ظهور التعقيدات و التناقضات و المبالغات في كتابته.
ثالثًا فإن هذه الرحلة هي ما نسميه اليوم تراث شفوي وابن بطوطة ليس مؤلفًا حقيقيا لكنه قبل كل شيئ مصدرا رئيسيا لهذا الكتاب. لقد أملى ذكراياته على شاعر البلاط السلطاني خلال الفترة من سنتين و في المقدمة ذكر الشاعر أنه اقترب من مهمته بالتواضع. ومع ذلك يتفق معظم الباحثين على أن ابن بطوطة املي اخبار رحلته على ابن جزي الكلبي و هو الذي كان يقود ذكريات ابن بطوطة و سمح لنفسه الحرية التأويلية مع بعض أخبار ابن بطوطة. و خلال وقت الكتابة رفع ابن جزي "الرحلة" الى الأسلوب المناسب لذلك الوقت وجعلها أكثر وضوحا للجماهير: السلطان على وجه الخصوص والسادة و المثقفين بشكل عام.
وأخيرًا عدد صفحات كتاب الرحلة ما يقرب من 1000 صفحة في أربعة مجلدات ضمن ترجمتها الإنجليزية الرائدة. و جديرا بالذكر أن المحررين أغفلوا بالضرورة أكثر مما تضمنوا عند اختيار الأجزاء ذي أهمية خاصة. على سبيل المثال تصف هذه المقالة الحالية تجارب الحضارية و والعلمانية بالرغم أنها مكتوبة من جهة متخصص في الشريعة الإسلامية. ومع ذلك فإن "الرحلة" يزخر بحسابات الأماكن المقدسة و المحترمين التي حذفناها الى حد كبير. و هنالك الاساطير المهمة ل"الرحلة" ايضا قمنا بحذفها مثل الرخ الأسطوري (الطائر الكبير) لكن ابن بطوطة يرجع ذكرياته و يحكي انه مع زملائه تقرب من هذا الطير الذي كان يشبه جبلا يطارد جنوب المحيط الهندي.
تم تحسين و تنسيق مغامرات أمير الرحالة من جهة ذكراياته و الكاتب ابن جزي الكلبي و محرري النص العربي المعاصرين و المترجم و الناشرين حتى مجيئتها بين يديك. و نتمني ان هذا الكتاب المبهج و الفطن لإبن بطوطة سيصبح مفهوما لنا و قريبا لضمائرنا لأن ابن بطوطة هو الذي أملي علينا أوضح و افضل صور عن أعمال الحضارة التي كانت قبل 700 عام ناجحة في جميع أنحاء العالم مثلما نحن اليوم و هو الذي تمكن لنا تعرف مع أشخاص غير معروفة يسرا و تعرف معهم يكرهنا على التفكير كيفما نحن اليوم عائشين آمنين بأهداف حضارتنا مثلما هم كانوا آمنين. و قراءة "الرحلة" يرجعنا الى العصر عندما الاسلام كان حضارة عالمية.